الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين
.آدَابُ النَّوْمِ: الثَّانِي: أَنْ يُعِدَّ طَهُورَهُ وَسِوَاكَهُ وَيَنْوِيَ الْقِيَامَ لِلْعِبَادَةِ عِنْدَ التَّيَقُّظِ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَبِيتَ مَنْ لَهُ وَصِيَّةٌ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْقَبْضَ مِنَ النَّوْمِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَنَامَ تَائِبًا مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ سَلِيمَ الْقَلْبِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِظُلْمِ أَحَدٍ وَلَا يَعْزِمَ عَلَى مَعْصِيَةٍ إِنِ اسْتَيْقَظَ. الْخَامِسُ: أَنْ يَقْتَصِدَ فِي تَمْهِيدِ الْفُرُشِ النَّاعِمَةِ. السَّادِسُ: أَنْ لَا يَنَامَ مَا لَمْ يَغْلِبْهُ النَّوْمُ وَلَا يَتَكَلَّفَ اسْتِجْلَابَهُ إِلَّا إِذَا قَصَدَ بِهِ الِاسْتِعَانَةَ عَلَى الْقِيَامِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ. السَّابِعُ: أَنْ يَنَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. الثَّامِنُ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النَّوْمِ بِمَا وَرَدَ وَمِنْهُ قِرَاءَةُ الْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَيَنْفُثُ بِهِنَّ فِي يَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَسَائِرَ جَسَدِهِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالتَّسْبِيحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَالتَّحْمِيدُ كَذَلِكَ وَالتَّكْبِيرُ كَذَلِكَ. التَّاسِعُ: أَنْ يَتَذَكَّرَ عِنْدَ النَّوْمِ أَنَّ النَّوْمَ نَوْعُ وَفَاةٍ وَالتَّيَقُّظَ نَوْعُ بَعْثٍ وَلْيَتَحَقَّقْ أَنَّهُ يُتَوَفَّى عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ اللَّهِ وَحُبِّ لِقَائِهِ أَوْ حُبِّ الدُّنْيَا وَيُحْشَرُ عَلَى مَا يُتَوَفَّى عَلَيْهِ. الْعَاشِرُ: الدُّعَاءُ عِنْدَ التَّنَبُّهِ وَلْيَقُلْ أَوَّلًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ. ثُمَّ لِيَقْرَأْ خَوَاتِمَ آلِ عِمْرَانَ [190- 194]: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الْآيَاتِ، وَلْيُسَبِّحْ عَشْرًا وَلْيَحْمَدْ كَذَلِكَ وَلْيُكَبِّرْ كَذَلِكَ وَلْيُهَلِّلْ كَذَلِكَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» ثُمَّ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى مَا تَيَسَّرَ لَهُ وَيَخْتِمُ بِالْوِتْرِ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَلَّى الْوِتْرَ. وَكَانَ رُبَّمَا جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَرُبَّمَا أَسَرَّ. وَأَكْثَرُ مَا صَحَّ عَنْهُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. .بَيَانُ أَنَّ الْأَوْرَادَ لِلْمُتَجَرِّدِ لِلْعِبَادَةِ: وَأَمَّا الْعَامِّيُّ وَالْمُتَعَلِّمُ فَحُضُورُهُ مَجَالِسَ الْعِلْمِ وَالْوَعْظِ أَفْضَلُ مِنِ اشْتِغَالِهِ بِالْأَوْرَادِ، وَكَذَلِكَ الْمُحْتَرِفُ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى الْكَسْبِ لِعِيَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ الْعِيَالَ وَيَسْتَغْرِقَ الْأَوْقَاتَ فِي الْعِبَادَاتِ بَلْ وِرْدُهُ فِي وَقْتِ الصِّنَاعَةِ حُضُورُ السُّوقِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْسَى ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي صِنَاعَتِهِ. .فَضِيلَةُ قِيَامِ اللَّيْلِ: وَمِنَ الْأَخْبَارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا الْعَبْدُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ». وَقَوْلُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ». .الْأَسْبَابُ الْمُسَهِّلَةُ لِقِيَامِ اللَّيْلِ: .بَيَانُ لَذَّةِ الْمُنَاجَاةِ عَقْلًا وَنَقْلًا: فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ الْجَمِيلَ يُتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُرَى، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَمِيلُ الْمَحْبُوبُ وَرَاءَ سِتْرٍ أَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ لَكَانَ الْمُحِبُّ يَتَلَذَّذُ بِمُجَاوَرَتِهِ بِمَسْمَعٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا مَعْلُومًا عِنْدَهُ. فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّهُ يَنْتَظِرُ جَوَابَهُ فَيَتَلَذَّذُ بِسَمَاعِ جَوَابِهِ وَلَيْسَ يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى، فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُهُ وَيَسْكُتُ عَنْهُ فَقَدْ بَقِيَتْ أَيْضًا لَذَّةٌ فِي عَرْضِ أَحْوَالِهِ عَلَيْهِ وَرَفْعِ سَرِيرَتِهِ إِلَيْهِ، كَيْفَ وَالْمُوقِنُ يَسْمَعُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ مَا يَرِدُ عَلَى خَاطِرِهِ فِي أَثْنَاءِ مُنَاجَاتِهِ فَيَتَلَذَّذُ بِهِ، وَكَذَا الَّذِي يَخْلُو بِالْمَلِكِ وَيَعْرِضُ عَلَيْهِ حَاجَاتِهِ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ يَتَلَذَّذُ بِهِ فِي رَجَاءِ إِنْعَامِهِ، وَالرَّجَاءُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَصْدَقُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ أَبْقَى وَأَنْفَعُ مِمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَكَيْفَ لَا يَتَلَذَّذُ بِعَرْضِ الْحَاجَاتِ عَلَيْهِ فِي الْخَلَوَاتِ. وَأَمَّا النَّقْلُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَحْوَالُ قُوَّامِ اللَّيْلِ فِي تَلَذُّذِهِمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَاسْتِقْصَارِهِمْ لَهُ كَمَا يَسْتَقْصِرُ الْمُحِبُّ لَيْلَةَ وِصَالِ الْحَبِيبِ، حَتَّى قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: كَيْفَ أَنْتَ وَاللَّيْلُ؟ قَالَ مَا رَاعَيْتُهُ قَطُّ يُرِينِي وَجْهَهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَمَا تَأَمَّلْتُهُ بَعْدُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ بَكَّارٍ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا أَحْزَنَنِي شَيْءٌ سِوَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَرِحْتُ بِالظَّلَامِ لِخَلْوَتِي بِرَبِّي وَإِذَا طَلَعَتْ حَزِنْتُ لِدُخُولِ النَّاسِ عَلَيَّ. وَقَالَ أبو سليمان: أَهْلُ اللَّيْلِ فِي لَيْلِهِمْ أَلَذُّ مِنْ أَهْلِ اللَّهْوِ فِي لَهْوِهِمْ، وَلَوْلَا اللَّيْلُ مَا أَحْبَبْتُ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَقْتٌ يُشْبِهُ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا مَا يَجِدُهُ أَهْلُ التَّمَلُّقِ فِي قُلُوبِهِمْ بِاللَّيْلِ مِنْ حَلَاوَةِ الْمُنَاجَاةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَذَّةُ الْمُنَاجَاةِ لَيْسَتْ مِنَ الدُّنْيَا إِنَّمَا هِيَ مِنَ الْجَنَّةِ أَظْهَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ لَا يَجِدُهَا سِوَاهُمْ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: مَا بَقِيَ مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا إِلَّا ثَلَاثٌ: قِيَامُ اللَّيْلِ وَلِقَاءُ الْإِخْوَانِ وَالصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ. وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: كَيْفَ اللَّيْلُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: سَاعَةٌ أَنَا فِيهَا بَيْنَ حَالَتَيْنِ أَفْرَحُ بِظُلْمَتِهِ إِذَا جَاءَ وَأَغْتَمُّ بِفَجْرِهِ إِذَا طَلَعَ مَا تَمَّ فَرَحِي بِهِ قَطُّ. .طُرُقُ الْقِسْمَةِ لِأَجْزَاءِ اللَّيْلِ: الْأُولَى: إِحْيَاءُ كُلِّ اللَّيْلِ وَهُوَ شَأْنُ الْأَقْوِيَاءِ الَّذِينَ تَجَرَّدُوا لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَلَذَّذُوا بِمُنَاجَاتِهِ وَصَارَ ذَلِكَ غِذَاءً لَهُمْ وَحَيَاةً لِقُلُوبِهِمْ فَلَمْ يَتْعَبُوا بِطُولِ الْقِيَامِ وَرَدُّوا الْمَنَامَ إِلَى النَّهَارِ؛ اشْتُهِرَ ذَلِكَ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنَ التَّابِعِينَ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُومَ نِصْفَ اللَّيْلِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُومَ ثُلْثَ اللَّيْلِ مِنَ النِّصْفِ الْأَخِيرِ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُومَ سُدْسَ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ أَوْ خُمْسَهُ. الْخَامِسَةُ: أَنْ لَا يُرَاعِيَ التَّقْدِيرَ فَيَنَامَ وَيَقُومَ فِي أَجْزَاءِ اللَّيْلِ مُطْلَقًا. السَّادِسَةُ: أَنْ يَقُومَ مِقْدَارَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ وَحَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْمِلَ الْقِيَامَ قَبْلَ الصُّبْحِ وَقْتَ السَّحَرِ وَلَا يُدْرِكَهُ الصُّبْحُ نَائِمًا، وَهَذِهِ هِيَ الرُّتْبَةُ السَّابِعَةُ. وَأَمَّا قِيَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ الْمِقْدَارُ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى تَرْتِيبٍ وَاحِدٍ بَلْ رُبَّمَا كَانَ يَقُومُ نِصْفَ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ ثُلُثَيْهِ أَوْ سُدُسَهُ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ مِنَ اللَّيَالِي، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [الْمُزَّمِّلِ: 20] فَأَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ كَأَنَّهُ نِصْفُهُ وَنِصْفُ سُدُسِهِ، فَإِنْ كُسِرَ قَوْلُهُ: {وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ}، كَانَ نِصْفَ الثُّلُثَيْنِ وَثُلُثَهُ فَيَقْرُبُ مِنَ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَإِنْ نُصِبَ كَانَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَثُلُثَهُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ يَعْنِي الدِّيكَ، وَهَذَا يَكُونُ السُّدُسَ فَمَا دُونَهُ. .كِتَابُ آدَابِ الْأَكْلِ وَالدَّعْوَةِ وَالضِّيَافَةِ: وَلَمَّا كَانَ مَقْصِدُ ذَوِي الْأَلْبَابِ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فِي دَارِ الثَّوَابِ، وَلَا طَرِيقَ إِلَى الْوُصُولِ لِلِقَائِهِ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُمْكِنُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِمَا إِلَّا بِسَلَامَةِ الْبَدَنِ، وَلَا تَصْفُوا سَلَامَةُ الْبَدَنِ إِلَّا بِالْأَطْعِمَةِ وَالْأَقْوَاتِ وَالتَّنَاوُلِ مِنْهَا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى تَكَرُّرِ الْأَوْقَاتِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ الْأَكْلَ مِنَ الدِّينِ، وَعَلَيْهِ نَبَّهَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [الْمُؤْمِنُونَ: 51] وَهَا نَحْنُ نُرْشِدُ إِلَى وَظَائِفِ الدِّينِ فِي الْأَكْلِ فَرَائِضِهَا وَسُنَنِهَا وَآدَابِهَا. .بَيَانُ مَا لَابُدَّ لِلْآكِلِ مِنْ مُرَاعَاتِهِ: .الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي الْآدَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْأَكْلِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ بَعْدَ كَوْنِهِ حَلَالًا فِي نَفْسِهِ طَيِّبًا فِي جِهَةِ مَكْسَبِهِ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ وَالْوَرَعِ، لَمْ يُكْتَسَبْ بِسَبَبٍ مَكْرُوهٍ فِي الشَّرْعِ وَلَا بِحُكْمِ هَوًى وَمُدَاهَنَةٍ فِي دِينٍ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَكْلِ الطَّيِّبِ وَهُوَ الْحَلَالُ، وَقَدَّمَ النَّهْيَ عَنِ الْأَكْلِ بِالْبَاطِلِ عَلَى الْقَتْلِ تَفْخِيمًا لِأَمْرِ الْحَرَامِ وَتَعْظِيمًا لِبَرَكَةِ الْحَلَالِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النِّسَاءِ: 29] فَالْأَصْلُ فِي الطَّعَامِ كَوْنُهُ طَيِّبًا وَهُوَ فِي الْفَرَائِضِ وَأُصُولِ الدِّينِ. الثَّانِي: غَسْلُ الْيَدِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ لَوْثٍ فِي تَعَاطِي الْأَعْمَالِ فَغَسْلُهَا أَقْرَبُ إِلَى النَّظَافَةِ وَالنَّزَاهَةِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَنْوِيَ بِأَكْلِهِ أَنْ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِيَكُونَ مُطِيعًا بِالْأَكْلِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذِهِ النِّيَّةِ أَنْ لَا يَمُدَّ الْيَدَ إِلَى الطَّعَامِ إِلَّا وَهُوَ جَائِعٌ فَيَكُونُ الْجُوعُ أَحَدَ مَا لَابُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْأَكْلِ، ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ الْيَدَ قَبْلَ الشِّبَعِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنِ الطَّبِيبِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَرْضَى بِالْمَوْجُودِ مِنَ الرِّزْقِ وَالْحَاضِرِ مِنَ الطَّعَامِ. الْخَامِسُ: أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَكْثِيرِ الْأَيْدِي عَلَى الطَّعَامِ وَلَوْ مِنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فَإِنَّ خَيْرَ الطَّعَامِ مَا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْأَيْدِي؛ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُلُ وَحْدَهُ. .الْقِسْمُ الثَّانِي فِي آدَابِهِ حَالَةُ الْأَكْلِ: وَأَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ إِلَّا الْفَاكِهَةَ فَلَهُ أَنْ يُجِيلَ يَدَهُ فِيهَا، وَلَا يَضَعَ عَلَى الْخُبْزِ قَصْعَةً وَلَا غَيْرَهَا إِلَّا مَا يُؤْكَلُ بِهِ، وَلَا يَمْسَحَ يَدَهُ بِالْخُبْزِ وَلَا يَنْفُخَ فِي الطَّعَامِ الْحَارِّ بَلْ يَصْبِرَ إِلَى أَنْ يَسْهُلَ أَكْلُهُ، وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالنَّوَى فِي طَبَقٍ، وَلَا يَجْمَعَ فِي كَفِّهِ بَلْ يَضَعَ النَّوَاةَ مِنْ فِيهِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ ثُمَّ يُلْقِيهَا وَكَذَا كُلُّ مَا لَهُ عَجَمٌ وَثُفْلٌ، وَأَنْ لَا يَتْرُكَ مَا اسْتَرْذَلَهُ مِنَ الطَّعَامِ وَيَطْرَحَهُ فِي الْقَصْعَةِ بَلْ يَتْرُكَهُ مَعَ الثُّفْلِ حَتَّى لَا يَلْتَبِسَ عَلَى غَيْرِهِ فَيَأْكُلَهُ، وَأَنْ لَا يُكْثِرَ الشُّرْبَ فِي أَثْنَاءِ الطَّعَامِ إِلَّا إِذَا غَصَّ بِلُقْمَةٍ أَوْ صَدَقَ عَطَشُهُ. وَأَمَّا الشُّرْبُ: فَأَدَبُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكُوزَ بِيَمِينِهِ وَيَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَيَشْرَبَهُ مَصًّا لَا عَبًّا، وَلَا يَشْرَبَ قَائِمًا وَلَا مُضْطَجِعًا، وَيَنْظُرَ فِي الْكُوزِ قَبْلَ الشُّرْبِ، وَلَا يَتَجَشَّأَ وَلَا يَتَنَفَّسَ فِي الْكُوزِ بَلْ يُنَحِّيَهُ عَنْ فَمِهِ بِالْحَمْدِ وَيَرُدَّهُ بِالتَّسْمِيَةِ. وَالْكُوزُ وَكُلُّ مَا يُدَارُ عَلَى الْقَوْمِ يُدَارُ يَمْنَةً. وَقَدْ شَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَنًا وأبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ شِمَالِهِ وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ فَنَاوَلَ الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ: الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ. وَيَشْرَبَ فِي ثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ يَحْمَدُ اللَّهَ فِي أَوَاخِرِهَا وَيُسَمِّي اللَّهَ فِي أَوَائِلِهَا.
|